الإسلام متهم بإهانة المرأة.. فهل في الكتاب والسنة ما يبعث على هذه التهمة؟؟
بهذا السؤال يستهلّ الشيخ "محمد الغزالي" كتابه الرائع (قضايا المرأة بين التقاليد الوافدة والراكدة)؛ ليبين لنا هل أهان الإسلام المرأة حقا؟؟
تعالوا نتجول معا بين ثنايا هذا الكتاب، ومن مِجهر الشيخ "الغزالي" نستكشف الحقيقة من الزيف.. والهدى من الضلال.. والصواب من بين ركام التقاليد الوافدة والراكدة..
لنفتح عقولنا أولا في البداية يضرب الشيخ أمثلة عديدة للتشدد والغلو في الالتزام الذي ربما يقود للتحول إلى التجنّد لحساب الباطل -كما يقول- للجهل وقلة الفهم واستغلال الأعداء لهذا الجهل.. ويضرب مثلا بالتطور الإسلامي في الجزائر، وما حققه من تقدّم ثم أضاع كلَّ ذلك بعضُ الأصوات المتشددة المتزمتة الذين جعلوا من القشور أصولا للدعوة، ثم يقرّر الشيخ حقيقة غائبة عنهم قائلا: "إن جماعة المسلمين عاشت طوال القرون وهي تعرف الاختلاف الفقهي".
حسّنوا صورة المرأة المسلمة في هذا الكتاب يهاجم الشيخ الغزالي الذين لا يفهمون رسالة الإسلام في المرأة، فيأتي عرضهم عنها مشوها منفرا لا يتّسق والفطرة الإنسانية، ثم يعلن أن الإسلام سوّى بين الرجل والمرأة في جملة الحقوق والواجبات٬ وإذا كانت هناك فروق معدودة فاحتراما لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبني عليها من تفاوت الوظائف وإلا فالأساس قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} وقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}..
كما يبين الغزالي الظلم الذي تتعرض له المرأة وحبسها بين الجهل والفقر، ويبين الفارق بين المرأة كما بيّنها الإسلام وبين ما صارت إليه؛ بسبب الفهم القاصر لممثليه في عصرنا، ويقارن بين صورة المرأة في العصر الأول من أن المسلمات كنّ يصلين في المسجد الصلوات الخمس من الفجر إلى العشاء٬ وكنّ يشاركن في معارك النصر والهزيمة، وكنّ يشهدن البيعات الكبرى، وكنّ يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر! كانت المرأة إنسانا مكتمل الحقوق المادية والأدبية٬ وليست نفاية اجتماعية كما يفهم المتطرفون الجاهلون، وبيّن صورة المرأة اليوم، وينقل الشيخ شكوى حقيقية للمرأة المسلمة المعاصرة بقوله: المرأة عندنا ليس لها دور ثقافي ولا سياسي٬ لا دخل لها في برامج التربية ولا نظم المجتمع، لا مكان لها في صحون المساجد ولا ميادين الجهاد.. ذكر اسمها عيب، ورؤية وجهها حرام، وصوتها عورة، وظيفتها الأولى والأخيرة إعداد الطعام والفراش..
الأسرة والمساواة وخوفا من التعاسة التي تلحق بالأسرة في حال تفرّقها بالطلاق ثم الخلاف حول حضانة الأولاد حرص الإسلام على سلامة الأسرة والحفاظ على تماسكها، وجعل من دعاء عباد الرحمن، وقد خصّه الله بالذكر لفضله: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}.. ولهذا حرّم الإسلام الاختلاط وحضّ على التستّر..
ثم يؤكّد الشيخ الغزالي أن المساواة ثابتة في القرآن، قائلا: إن الإسلام الذي نقدّمه علاجا شريفا لهذه الفوضى العامة نأخذه من الكتاب والسنة، والقرآن يؤكد المساواة، وما خصّ به الرجل من حقّ فلواجب أثقل ألقاه عليه، وقوامة الرجل في بيته لا تعني ضياع المساواة، كما أن طاعة الشعب للحاكم لا تعني الطغيان والإذلال؛ فإن التنظيم الاجتماعي له مقتضياته الطبيعية، ولا مكان للشطط في تفسيره.
ويبدي الشيخ اندهاشه قائلا: ومع أن الدنيا تغيّرت فالعلاقة بين الجنسين وحقوقها العامة والخاصة لم تأخذ بعد طريقها الصحيح؛ وذلك لأن بعض الناس يأبى أن يستقيم على منهج القرآن الكريم الذي يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}، هذه رابطة ولاية ووفاق بين الجنسين على مناصرة الحق ومخاصمة الباطل وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله، رابطة ولاية يتحوّل بها المجتمع كله إلى خلية ناشطة لها منهج وغاية.. فإذا نشأ عقد زواج بين مؤمن ومؤمنة فإن هذا المعنى يتأكد وتصبح العلاقة الجديدة إخاء عقيدة، وشركة أعباء، وصحبة حياة، ووحدة هدف، وتجاوب ثقافة.
ويلفت الغزالي إلى أنه ليس كل شيء يصلح لكل جنس؛ فالدعوة للمساواة مقرونة بمراعاة نوعية العمل وملاءمته لطبيعة القائم به، فيرفض الشيخ مثلا أن تعمل المرأة في أعمال تنافي طبيعتها، كتلك التي تتطلب خشونة ومشقة؛ كأن تعمل شرطية تنظّم المرور، أو تلك التي تضطرها إلى المبيت في الفنادق والبعد عن الأهل لمدد طويلة كالطيران مثلا..
ثم يتناول الشيخ الزواج كأسمى رابطة بين الرجل والمرأة، ويعالج بعض مشاكله، فيوصي باختيار ذات الدين، وكيف أن الزواج وسيلة لا غاية، ويوصي بعدم التهوين من وظيفة ربّة البيت، ويؤكد على أهمية الحب والدعائم الثلاثة الضرورية ليؤدي البيت رسالته وهي السكينة والمودة والتراحم..
مفاهيم يجب أن تصحّح: ثم يخصّص فصلا لمفاهيم يجب أن تصحّح.. فأوضح أن قوامة الرجل على المرأة لا تعني القهر، وأن المرأة حرة في اختيار زوجها، وأثبت أن آراء الأئمة والمفسرين ورواة الأحاديث على أن وجه المرأة ليس بعورة ولكنه تشبُّثٌ بآراء مرجوحة واتباع للتقاليد لا أكثر..
وتطرّق الشيخ إلى ضرب الزوجات فخصّص لضرب الزوجة حالات وكيفية، فذكر أن الأصل هو قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ثم أوضح أن ما يقع إنما هو النشوز٬ أي الترفّع والاستعلاء٬ أي أن المرأة تستكبر على الزوج وتستنكف من طاعته، ويدفعها هذا إلى كراهية الاتصال به في أمسّ وظائف الزوجية، فيبيت وهو عليها ساخط! وقد يدفعه هذا إلى ضربها! وهناك أمر آخر أفحش أن تأذن في دخول بيته لغريب يكرهه مع ما في ذلك من شبهات تزلزل العلاقة الزوجية وتجعلها مضغة في الأفواه.. ولم أجد في أدلة الشرع ما يسيغ الضرب إلا هذا وذاك.. ومع ذلك فقد اتفقت كلمة المفسرين على أن التأديب يكون بالسواك مثلا! فلا يكون ضربا مبرحا٬ ولا يكون على الوجه! فكل ذلك منهي عنه.. ثم يحفظ الله تعالى للزوجات المستقرات المؤديات حق الله وحق الأسرة حقوقهن قائلا جل شأنه: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}..
ثياب النساء يثبت الشيخ قاعدة ذهبية في هذا السياق إذ يقول: "من حق المرأة أن تتجمّل، ولكن ليس من حقها أن تتبرّج".. ويعلّق على ما يُغرق المجتمع الإنساني كله من موضات مخلّة بقوله: إن تعرية المرأة حينا وحشرها في ملابس ضيقة حينا آخر عمل لم يشرف عليه علماء الأخلاق وإنما قام به تجار الرقيق.. وقد روت عائشة أم المؤمنين: "أن أختها أسماء دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها! وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا.. وأشار إلى وجهه وكفيه"..
ويختتم الشيخ الغزالي رحمه الله صولاته وجولاته في قضايا المرأة مؤكدا أن أمتنا تعاني هزائم علمية وخلقية وصناعية وتجارية، فهل نصحو من الخدر الذي جمّد أفكارنا وأطرافنا، وألقى بنا وراء قوافل الأمم السائرة؟؟