[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] Nov 8 2010
مصطفى محمود: نحن في عصر الصراخ
ما هو الحب وما هي الكراهية؟ لماذا نحن غاضبون دائما؟ وإذا كان كلٌّ منّا يقول إنه يبحث عن السعادة.. فما هي تلك السعادة التي نبحث عنها؟ وأين نجدها؟ من هو الإنسان وكيف هو؟ وإلى أي طريق نسير؟
أسئلة كثيرة لا بد وأنها تدور في ذهن كل منا؛ ونحن إذ نعرض هذا الكتاب فإنما نحاول الإجابة عنها؛ من أجل الوصول إلى حياة أفضل... إنها رحلة في قلب وعقل ووجدان الكاتب مصطفى محمود وهو في مشوار بحثه عن معنى الحياة.
أحبك
تلك هي الكلمة التي يقولها أحدنا للتعبير عن حالة وجدانية خاصة جدا وذاتية وجديدة عليه... فما هو رأي "مصطفى محمود" في هذا التصريح؟
يري الكاتب أن الحقيقة هي أنّ الحروف تحجِب ولا تكشف، ويخلص أنه يستحيل أن تُعبِّر هذه الكلمة المستهلَكة عن حقيقة كبيرة نحملها في وجداننا، بعدما حوّلها الفن الرخيص والأغاني المبتذلة لشيء ماسخ، ويرى أن للصمت المفعم بالشعور حكما أقوى من حكم الكلمات..
ثم يخرج الكاتب من دائرة حبّ المخلوق للمخلوق إلى حب الخالق، يستلهم منها هذه المعاني ليقول: إن الحقائق الإلهية لا تستطيع أن تصل إليها الألفاظ، وإن الألفاظ لا تدنو من وصف ذات الله المطلقة.
ومن المعارف التي ساقها الكاتب لأحد الأولياء هو ما ألهم به في مشواره مع الله وكأن الله علّمه ذلك...
الحرف يعجز عن أن يخبر عن نفسه فكيف يخبر عني وأنا الله.
أنا خالق الحرف وما يخبر عنه الحرف فأنا من وراء الاثنين..
اخرج عن الحرف، اخرج عن نفسك، اخرج عن اسمك تكن موجودا بحق..
ومن هنا يرى أن الصمت كان حال الواجدين العاشقين عشق الروح لا عشق الأجساد...
الصراخ
إذا كانت السعادة لا تتحقق إلا بالسكينة، فكيف تتحقق السكينة؟
يقول الكاتب.. نحن في عصر الصراخ.. علاقة الحب صراخ.. علاقة الزواج صراخ.. علاقات المجتمع صراخ طبقي.. علاقات الدول صراخ سياسي.. والشعارات صراخ فكري.. والبيوت التي ترفع لافتة الحب على بابها تعيش حياة أقرب إلى الصراع على السلطة منها إلى تعاون المودة والرحمة بين أزواج وزوجات.
ويرى أن الصراخ والصياح وخراب النفوس وتمزق الأرواح سببه الأول اعتقاد أصحابها وكأنهم يعيشون في عالم بلا إله، وأنهم يبحثون عن عدل دون اعتقاد في عادل، ويحاولون النهوض بحياة يعتقدون أن مصيرها التراب.
وفي النهاية يعتقد الكاتب بمقولة قديمة تقول: "إن البيوت السعيدة لا صوت لها"، ويرى أن ذلك لا يمكن تحقيقه لهذا الكيان إلا بالرجوع بكلمة الحب لصاحبها وخالق معناها، وأن نفهم أن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة هي المودة والرحمة... فما أحوج الأسرة في زمننا هذا لهذين النبعين.
الجنة
يرى البعض أن الجنة هي الحرية المطلقة وإطلاق العنان للشهوات والرغبات دون رادع يوقف النفس عن المتعة والانطلاق..
لكن الكاتب عرض رأيه عن هذه الحرية المزعومة قائلا:
إن هذا هو مذهب القرود.. وهو أمر قديم جدا لا تقدم فيه، فالقرود تتناكح وتتلاقح وتتعانق في الأقفاص ونحن نصفق لها ونبارك حريتها ونلقي إليها بالموز والسوداني، وهي نظرية ليست في حاجة إلى رحلة إلى لندن لاكتشافها ويكفي رحلة لجبلاية القرود.
إن الحرية الحقيقية كما يراها الكاتب هي التحرر من أسر الشهوات والخروج من أغلال الحيوانية الجسدية إلى ميدان الروح السماوي، وتلك هي الجنة الحقيقية، وبشيء من جهاد النفس نصل إلى ذلك، أما هذه الحرية المزعومة فحقيقتها البقاء في سجن شهوات الجسد.
جهنم
هناك من يقول: لن يعذب الله أحدا من عباده.. فالله رحيم وقد وسعت رحمته كل شيء.. فكيف بالله الرحيم أن يعذبنا؟ إنه يخوفنا فقط.. ويوم القيامة سيعفو عن الجميع ويدخلنا الجنة..
ويقف الكاتب أمام هذا الكلام وأن قائله يسيء إلى الخالق من حيث يتصور أنه يحسن، بل ويلصق به الظلم من حيث يتصور أنه يصفه بالعدل.. وأن الله لا يمكن أن يساوي بين المجرمين وبين ضحاياهم في الجزاء، وأن في هذا الرأي منتهى سوء الظن بالله أن نتصور أنه يضع كل الناس في الجنة، ويساوي بين السفاحين الجبارين وبين الألوف من قتلاهم الأبرياء الذين هلكوا في السجون لمجرد أننا لا نتخيل إلها يعذب.
ويرى أن هناك عقولا لا تعرف الله إلا حينما ترى عذابه، وإن هناك نفوسا مظلمة لا تشهد الحق في النعمة، ولا سبيل إلى تعريفها بالحق إلا بالعنف، مثل اللحم الميت الذي لا علاج له إلا بالكيّ، والوسيلة الوحيدة الباقية للتعليم بعد أن يصر المنكر على إنكاره، والمتعامي على عماه، وبعد استنفاد كل السبل السلمية للإقناع، وبعد أن لم توجد الكتب والرسل عبر التاريخ وآيات السماء مدخلا إلى القلب.
ويقول: عندئذ تصبح جهنم هي الجراحة الوحيدة الممكنة لفتح العين وإشهاد الحواس، وبهذا لا تتنافى مع الرحمة بل هي عين الرحمة.
الأصنام
يعدد الكاتب صورا من الأصنام العصرية وأولى هذه الصور هي صورة المرأة العارية، والتي أصبحت وكأنها تعويذة التاجر التي يرسمها على إعلانات السجائر وإعلانات الخمور والكاميرات والساعات وشفرات الحلاقة وحتى معاجين الأسنان، وكأنما لا وسيلة لجذب الانتباه إلا باستخدام هذا الوثن.
أما صورة الصنم الثاني فهو فاترينة البضائع الاستهلاكية، التي تتحلق حولها العيون مشدوهة مبهورة..
والثالثة هي الفكرة.. حيث يتحول الأمر من أن توضع النظرية في خدمته إلى أن يصبح هو في خدمتها ملتمسا شتى الوسائل لإثباتها وتبريرها.
ومن تلك الصور الوثنية... الحاكم الديكتاتور صاحب القرار المطلق المستبدّ الجالس على عرش السلطة، وحوله الخدم في بلاط الهتافين والمصفقين والمنافقين والكذابين الذين يظنّون أن الأمر كله بيد سلطانهم.. فيتوجهوا إليه ويطلبوا رضاه.. وكأنهم في محرابه عاكفون.
أما الصنم الكبير بعد ما تقدّم فهو صنم الذات.. حيث لا يرى الإنسان إلا نفسه متطلعا لإرضائها، جالسا على أعتاب رغباتها، محوّلا إياها لصنم لا يوجّه نظره بعيدا عنه.
لقد تغير شكل الأصنام، ولكن تبقى الفكرة واحدة، وعلى كل منا أن يسأل نفسه نحو أي صنم أتوجه في حياتي، أم إنني حطمت الأصنام حولي وداخلي؟ وفي كل الأحوال فليستعن بالله على أن يصل إلى شيء من التوحيد.
عن الحب والعداوة
يرى الكاتب أنّ علينا حتى مع الأصدقاء ألاّ نندفع في عواطفنا ونبالغ في إعجابنا ونسرع في تقربنا؛ لأن التعمق بسرعة قد يتبعه نفور بسرعة، وإذا بصديق الأمس يصبح عدو اليوم.
وهذا يوصلنا لأمر مهم هو خطورة الكلمة.. تلك التي تصنع الحب، وتلك التي تحوّل الحب إلى عداوة في لحظة.. ويستخلص من ذلك كله أن الصمت نعمة عظمى وأن علينا أن نتدرب عليه، فنتكلم حيث يجب الكلام ويُستحب، ونصمت حيث يكون الصمت أولى وأوجب.. وبذلك نتجنب أن نحول الحب إلى عداوة والسكينة إلى نزاع..
عن الغضب
يرى الكاتب أننا عندما نتأمل الكون والحياة لا نرى سوى الجمال والإبداع والنظام والعدل، ولا توجد الفوضى إلا في حياتنا نحن البشر، وفيما نتصرف فيه.. ولهذا يجب علينا أن نثق دائما أن الله كله خير، وبأن مشيئته كلها رحمة.
فإذا نقد الإنسان نفسه.. ورضي بحكم ربه.. وعلم أن ما يجري عليه من الحوادث لا يكون إلا من جنس قلبه ونيته.. فهنا وهنا فقط سيهدأ حالا وينصلح بالا، ولن يجد للغضب من أمور الدنيا إلى نفسه سبيلا.. فإذا كان كل شيء هالك.. وكل شيء يفنى.. فلم الغضب إذن؟ وما الذي يستحق من أمور الدنيا أن نغضب له؟ ويذكّرنا الكاتب أننا عندما نغضب نفقد كل شيء من أجل لا شيء..
الحقيقة
يختتم مصطفى محمود كتابه بهذا العنوان، ويقول إن الحقيقة كلمة ويالها من كلمة.. من يستطع أن يدّعي أنه يعرف الحقيقة إلا رجال علّمهم الله الذي قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}، إن الكاتب في نهاية رحلة بحثه عبر حروف ومعاني هذا الكتاب يقف قائلا عن الحقيقة حول سر خلق الإنسان.. إنه لا أحد يستطيع أن يدّعي بأنه وضع يده على سرها، أو علم مراد الله منها، فلا يعلم مراد الله إلا الله، وإنما يجتهد الكل ويحاول الكل، والمحاولات جميعا تحتمل الخطأ والصواب، والعلم عند الله